المغرب … مرحلة التقشف …!!!

أيها المواطنون الأعزاء لقدت بدأت مرحلة التقشف في المغرب رسميا, واقع الأمور يظهر بوضوح أن حكومتنا قد إختارت الطريق الأسهل من بين كل الحلول المتوفرة, خيار التقشف اللذي بدأ بخفض ميزانية الإستثمار الداخلي العام بنسبة 15 مليار درهم, أي ما يعادل حوالي 2% من الناتج الداخلي الخام, و حتى إن لم يعترف وزراء الحكومة بذلك و سعوا لإيجاد المبررات لهذا القرار, فيبقى من المؤكد و المنطقي أنه يدخل في سياق القرارات ذات الصبغة الإصلاحية اللتي تفرضها عادة الهيئات المالية المقرضة كالبنك الدولي و صندوق النقد الدولي, نفس المؤسسات اللتي ما فتئت تغرقنا في الديون المفرطة منذ عقود, و في غضون ذلك لا أحد عندنا يهتم بتبذير المال العام و لا التهرب الضريبي و لا ترشيد النفقات في الميزانيات العامة المتعاقبة, فالفوضى الحاصلة في هذا المجال باتت أمرا واقعا يقبله و يتعايش معه الجميع بسلبية لا مثيل لها, بالإضافة إلى إقتصاد الريع اللذي تحول إلى ثقب أسود عملاق يمتص مئات الملايير من الدراهم اللتي تخرج تماما من دائرة القانون.

فمن السهل جدا الإستسلام للحلول اللتي يفرضها صندوق النقد الدولي و البحث عن طرق جديدة لفرض التقشف القتصادي على الشعب اللذي يعاني بالفعل من الأزمة منذ زمن, خاصة مع وجود حكومة تفتقر إلى الكفاءة اللازمة وغير قادرة على إيجاد و تنفيذ حلول حقيقية للمشاكل التي يعاني منها اقتصادنا.

هناك من لا زال يحاول أن يدافع عن حكومة بن كيران و توجهاتها الإقتصادية, مضفيا عليها لباس التقوى و كأن المغاربة أغبياء و عاجزون عن فهم حقيقة ما يحدث, لذلك وجب علي أن أذكر ببعض النقاط الهامة :

حكومة بن كيران ليس لديها الإختيار, فالتصريح للمغرب بالخط الإئتماني كان مشروطا أولا بإصلاح صندوق المقاصة, غير أن حكومتنا الموقرة لم تعلن عن ذلك في حينها بل فضلت الإنتظار لبضعة شهور للحديث عن مشروع الإصلاح الإقتصادي المتمثل في التخلي عن صندوق المقاصة اللذي يثقل كاهل الميزانية و تعويضه بنظام جديد و ذلك لتفادي ربطه بشروط صندوق النقد الدولي في ذهن المواطن المغربي, كما أن الإعلان عن الخط الإئتماني الممنوح للمغرب تم تقديمه على أساس أنه نوع من الثقة في الأداء الإقتصادي للمغرب و المناخ الإستثماري الإيجابي اللذي يوفره في الوقت اللذي كانت تعلم فيه الحكومة أن مستوى العجز في الميزانية العامة قد خرج عن السيطرة و الأزمة الحقيقية باتت على الأبواب و تعمدت إخفاء الأمر عن المغاربة, رغم أن مختلف الفاعلين الإقتصاديين يعلمون جيدا أن الأزمة بدأت قبل ذلك بمدة و أن المغرب سيكون على موعد مع مخطط التقويم الهيكلي حسب شروط عصابة اللصوص في صندوق النقد الدولي.

حكومة البي جي دي لم تقم بأي مجهود يذكر على مستوى الأداء الإقتصادي لمواجهة الأزمة أو التخفيف من حدتها, سواء على مستوى ترشيد النفقات العامة أو ظبط الميزانية, بل بالعكس فضلت الإكتفاء بالحل السهل و المتوفر و هو اللجوء إلى المديونية مع العلم أن مستوى العجز في الميزانية العامة سوف يجعلنا لقمة سائغة أمام صندوق النقد الدولي و شروطه اللتي سوف تزيد بالقطع من تأثير الأزمة على المواطنين.

شروط صندوق النقد الدولي للتقويم الهيكلي :

تختلف خطط التقشف تبعا للسياق الاقتصادي للبلد المعني بتطبيق سياسة التقويم الهيكلي و هي في الغالب تعتمد على مؤشرين لقياس حالة العجز الإقتصادي :
* تراكم المستحقات المتأخرة للدين العام الخارجي
* تناقص احتياطات النقد الأجنبي.

لكن بصفة عامة فهي تأتي على شكل مجموعة من التدابير والإجراءات اللتي تندرج في النسق التالي :

1 – تخفيض كبير في الإنفاق الحكومي في المجالات التالية: الصحة، الإسكان، التعليم.

2 – تشجيع المستثمرين من القطاع الخاص على الولوج بقوة للمجالات السابق ذكرها، والتي يجب على الدولة أن تنسحب منها بشكل كبير للسماح لهؤلاء الفاعلين الإقتصاديين بالحلول محلها.

3- ينبغي على الدولة وضع سياسة تحرير إجباري للأسواق, و سيكون من شأنها أن تتسبب في ارتفاع مطرد للأسعار و لن تتدخل مؤسسات الدولة لمحاولة تنظيم هذه العملية إذ يتوجب على الأسواق أن تكمل دورتها و تصل بذاتها إلى إستقرار طبيعي للأسعار بدون تدخل, و ذلك بغض النظر عن الضرر الذي سوف تتسبب فيه هذه السياسة للمواطنين (إرتفاع الأسعار، التضخم، الأزمات, انعدام الأمن الاجتماعي إزدياد معدلات الفقر، وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء …).

4- على الدولة أن تقوم بإزالة و حذف جميع أشكال الدعم المباشر أو غير المباشر الموجه عادة لتحقيق الاستقرار في أسعار المواد الإستهلاكية الأولية أو الضرورية، مما سيتسبب في إرتفاع أسعارها تبعا لقانون السوق وذلك دون الأخذ بعين الإعتبار المستوى الحقيقي للقدرة الشرائية للمواطنين.

5- على الدولة أن تعمل على تخفيض قيمة العملة بشكل منهجي لزيادة القدرة التنافسية الاقتصادية للبلاد، في حين أن التأثير المباشر سيكون هو زيادة أسعار وقيمة الواردات اللتي تتم عادة بالعملة الصعبة مما سينتج عنه إنهيار أكبر في الميزان التجاري.

6- تلتزم الدولة بالسعي للحد إلى أقصى مدى ممكن من التوظيف في القطاع العام للحد من العجز في ميزانيتها.

7- تلتزم الدولة بإتخاذ جميع التدابير اللازمة للحد من قدرة النقابات على الضغط على الفاعلين الإقتصاديين (شركات القطاع الخاص) في مواجهة نتائج سياسة التقشف الإقتصادي على النسيج الإجتماعي حتى لو تسبب ذلك في مواجهة مباشرة.

8- ينبغي على للدولة أن تقوم بتسريع وتيرة خوصصة القطاعات الاقتصادية التي لا تزال تحت سيطرتها، تبعا لمنهجية تحرير الأسواق اللتي تفرض مبدأ تشجيع المستثمرين للولوج المجالات الاقتصادية الخاضعة لسيطرة القطاع العام.

9- يجب على الدولة وضع سياسة ضريبية جديدة تهدف إلى خفض الضرائب على الشركات والمستثمرين من القطاع الخاص من أجل تشجيعهم على اتخاذ مبادرات والمشاركة في النمو الاقتصادي.

10- يجب على الدولة اتخاذ جميع المبادرات التشريعية والقانونية اللتي من الممكن أن تشجع التنمية الاقتصادية من خلال القطاع الخاص، لتكون له حرية الوصول إلى أي نشاط اقتصادي، بغض النظر عن تأثير ذلك على الفاعلين و المنتجين المحليين, اللذين سوف تمتنع الدولة عن حمايتهم.

11- تلتزم الدولة بتخفيض أو تجميد الحد الأدنى للأجور, وذلك لتشجيع القطاع الخاص على الإستثمار بشكل أكبر.

12- تلتزم الدولة بحذف كل المؤسسات العامة الموجهة لدعم أسعار المواد الإستهلاكية الموجهة للعموم و تعويضها بنظام دعم مباشر يستهدف الفئات الفقيرة, و يدخل في هذا الإطار مشروع إصلاح صندوق المقاصة اللذي ما زالت حكومة العدالة و التنمية تماطل في إخراجه للعلن.

كما شاهدنا من خلال هذه اللائحة المرعبة من التوصيات فالأمر يتعلق بتغييرات جذرية على مستوى النسيج الإقتصادي, سوف تنتج عنها تأثيرات سلبية لا حدود لها و أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : ارتفاع معدلات البطالة, ارتفاع الأسعار, التضخم, ارتفاع أثمان المواد المستوردة إلغاء الدعم الموجه للمواد الأساسية, إضعاف دور الدولة و تجميد قدرتها على التدخل في الأداء الإقتصادي.

المضحك في الأمر أن الحكومة الحالية تستميت في محاولة إقناعنا بضرورة المرور من نفق التقشف و ضرورة قبول التضحيات اللتي تنجم عنه إجتماعيا و ذلك لإصلاح عقود متواصلة من الفساد الإقتصادي, و لتحسين الصحة الاقتصادية لبلدنا ومساعدته على الخروج من حفرة عجز الموازنة اللتي بات غارقا فيها, غير أن الحقيقة اللتي لن تعترف بها حكومة العدالة و التنمية مختلفة تماما, و هي أنهم في قد فضلوا الخيار الأسهل و لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حلول جذرية, فهم ببساطة قد فضلوا تسليم الإقتصاد المغربي لقمة سائغة لعصابة إستعباد الشعوب بواسطة المديونية المسماة بصندوق النقد الدولي, متخيلين أن برنامج التقشف المسمى مخطط التقويم الهيكلي سوف يسمح لنا بالحصول على الديون اللازمة لتغطية عجز الميزانية, بينما المديونية سوف تتسبب حتما بإنكماش و ركود إقصادي و سوف تدخل البلاد في حالة من العبودية و التبعية السياسية و الإقتصادية لعقود قادمة, و سوف تضطر الأجيال القادمة لدفع ثمن هذا الإختيار العقيم, أضف إلى ذلك عملية النهب الممنهج و المنظم اللتي سوف يتعرض لها إقتصادنا من طرف القطاع الخاص أمام إنكماش و عجز قانوني تام للدولة اللتي سوف تلتزم بالحد من تدخلاتها بشكل كبير و لكم أن تتخيلوا ما يمثله أصلا إقتصاد الريع بكل الفساد اللذي يغرق فيه في الوقت الحالي, لتعوا حجم الكارثة المقبلة.

على ضوء ما سبق, وجب التذكير بأنه مهما كانت الشرعية السياسية أو صحة العملية الديمقراطية التي جاء من خلالها حزب العدالة و التنمية إلى السلطة, يبقى من الواضح والبديهي أنه عندما يتعلق الأمر بوضع توجه إقتصادي جديد لا  تعود هناك قيمة لصناديق الإقتراع أو لصوت الناخبين, ما دامت حكومتنا قد إختارت رهن البلد بأسره بين يدي الأوليغارشية المالية و البنكية العالمية, لتأتي على البقية الباقية من مقدراته بطحنه في آلة العولمة و الليبرالية الإقتصادية المتوحشة اللتي لا تبقي و لا تذر.

مهدي بوعبيد
16/04/2013

 

Austérité Maroc 1

 

À propos mbouabid
A Borderline Geek, blogging and sharing about Economics, Politics, Miltary and Technology issues... !!!.

Laisser un commentaire